10 - وبدأت المفاوضات


10- وبدأت المفاوضات

أفزع المشركين تزايد عدد المسلمين وإعلانهم عن إسلامهم ، وعدم مبالاتهم بعداء المشركين لهم الأمر الذي جعل رجالات قريش يساومون رسول الله صلي الله عليه وسلم
فبعثوا عتبة بن ربيعة ليعرض علي رسول الله صلي الله عليه وسلم عرضاً رأوه حلا لمشكلتهم

فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد فماذا قال تعالوا نسمع ماذا قال ، قال: يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتي تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتي لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتي نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع علي الرجل حتي يداوي منه.
انتهي كلام أبا الوليد
ولنا أن نسأل
متي بدأت المفاوضات ؟
بدأ التفاوض حين عز أمر الدعوة الجديدة وظهر في أتباعها رجال مثل عمر وحمزة وأبو بكر ، إذ دخول مثل هؤلاء جدير بقلب المعادلة ، خاصة مع مافيها من عدل ورحمة ودعوة للخير ولمكارم الأخلاق ، خاصة مع علمهم صدق الداعي وصدق دعوته وصدق رسالته وإنما كانوا يكابرون بعدم قبول ما معه من الحق

فالتفاوض يبدأ حين تأخذ موقف قوة يشعر فيه الباطل بالتهديد وعدم القدرة علي محوك من طريقه

يبدأ الباطل في لعبة المفاوضات حين يفشل في انتزاع نصر حاسم بغيرها ويصبح إصراره علي تجاهلك حمق وسفاهة

حين تكلم أبا الوليد أجمل عرضه في أشياء وهي:
1-المال
2- الشرف والسؤدد
3- الملك
4- المرض (مجنون )

تلك إذن هي رؤية الباطل لأمر الدعوة تري الدعاة طالبين مال أو شرف وسيادة أو ملك أو مرضي يجب تطبيبهم من هذا المرض

9- وفتر الوحي


9- وفتر الوحي

بعد المفاجأة السارة له صلي الله عليه وسلم ولخديجة ولورقة بن نوفل ، فتر الوحي وانقطع قرابة الأربعين يوماً، ومات ورقة ، واشتد الألم النفسي بالحبيب صلي الله عليه وسلم حتي صرح لخديجة بأنه خائف علي نفسه ، بل كان كالهائم علي وجهه في جبال مكة وشعابها

جلست أتـأمل تلك الفقره من كلام الشيخ أبوبكر الجزائري رحمه الله ، وتلك المرحلة من حياته صلي الله عليه وسلم ، بشارة بين طياتها بيان تبعات المهمة ثم انقطع الوحي أو فتر ، إن النفس الإنسانية لهي من محارات العقول كلما تأملتها أصابك الارتباك ، ولأن الله عز وجل هو الخالق العليم فإنه يعاملها بما يصلحها ، وأنت حين تتأمل كيف تتم الأمور تعجب أشد العجب من مسارات الاحداث التي لا تسلك طريق مباشر بل تنثني وتنعطف وهي في إنثنائها وإنعطافها تعالج خلجات النفس الإنسانية ، ففتور الوحي مدة أمر ضروري جداً حتي تتحدث النفس وتنشغل بمهمتها وتشتاق وتتلهف لها ، وتستشعر مدي الفراغ الموحش لها إذا تخلت عن مهمتها ، فلا تجد في الحياة مبرر ولا لها معني إذا فُرغت النفس الإنسانية من مهمتها في هذه الحياة ،
وحين يحدث ذلك تهون المصاعب ويستعذب أي ألم في سبيل تحقيق تلك المهمة التي خُلقت لها .
...
ولكن لماذا أربعين يوما أو مايقارب الاربعين ، كلما مر علي رقم في مثل تلك الأحداث الهامة لا أفوته بل أدقق النظر فيه وما ذلك إلا بحثاً عن قانون الاشياء
ألم يقل رسول الله صلي الله عليه وسلم من صلي أربعين يوما يحضر تكبيرة الاحرام مع الامام كتبت له براءتان ، براءة من النفاق وبراءة من النار
ألم تكن تلك هي المدة التي واعد الله فيها موسي أربعين يوما
...
أربعين يوما ... وكأن أربعين يوما هو حد من حدود النفس الإنسانية إذا ما احتملته فإنها تكون قد سلكت درباً آخر وغيرت من نفسها وتحققت بالجديد ، من العادات أو السلوك أو ...

8- مع البشارة تبعات


8- مع البشارة تبعات

قال ورقة بن نوفل للنبي صلي الله عليه وسلم حين أخبره بما رأي في الغار " هذا الناموس الأكبر الذي أُنزل علي موسي ، ياليتني فيها جذع ، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك ." فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم : " أو مخرجي هم ؟"
قال ورقة: نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزرا .

مع البشارة كانت التبعات هذا هو الطريق واضح من البداية ، ولنا في ذلك وقفة بل وقفات ، الاسلام يريد من معتنقيه التضحية في سبيله وحين يطلب الاسلام التضحية في سبيله لا يرضي بالدون كما أن الأجر عظيم، ألم نسمع " إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " ذلك يجب أن يكون واضح من البداية أما دعوة الناس بأن الاسلام سيجعل لهم (العتبة قزاز والسلم نايلو في نايلو) بس كل اللي عليهم أن يسلموا هذا هراء ليس من الاسلام ودعوته في شيئ هذا هو الناموس وسيخرجك قومك ولم يأت أحداً بمثل ما أتيت به إلا عُودي هذا ماقاله ورقة بين طيات البشارة بالرسالة

ولكن لماذا عودي ، لأنه أتي لينتزع سلطان الانسان المتكبر ويعطي السلطان للملك الحق لله عز وجل ، أتي لينزل الانسان من عليائه الزائف وغروره وكبره ويضعه في موقف العبودية لله عز وجل ، وهذا ما فهمه العرب من قول لا إله إلا الله فقالوا له إلا هذه ، فهمها العرب في حين كثير من دعاة اليوم الذين يذهبون في دعوتهم مذاهب شتي لا يعرفون حقيقة قول لا إله إلا الله ، ليس لأحد سلطان إلا الله سلطان في التحليل والتحريم في الطاعة والولاء في الأمر والنهي

أما ما يفعله بعض الدعاة من تبسيط الاسلام فيجرده من فحواه فهذا هراء ، ولا تثمر أرض وضع في باطنها الكذب والخداع فليس لدينا عتبة قزاز ولا سلم نايلو في نايلو
لدينا طريق الرسل وهو طريق خاتم الرسل صلي الله عليه وسلم ونحن نستكشف معالمه من البداية وعد بالإخراج من مكة مع البشارة بالرسالة
...


وإن أردتم درساً في البطولة فها هو الدرس الذي أعطاه ورقة إذ يقول " ياليتني فيها جذعا ... إن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزرا "
أين هؤلاء الابطال الذين يعرفون تبعات الاسلام ويعدون بالوفاء والبذل، و حين يحمي الوطيس ويشتد الأمر أشرأبت لنصرة الحق أعناقهم
هذا ورقة بن نوفل يعطي المثال ويعطي القدوة ويعطي الدرس
فمع البشارة تبعات والله المستعان

7- المراحل في الدعوة وبصيرة القائد

المراحل في الدعوة وبصيرة القائد

كيف انتقل رسول الله صلي الله عليه وسلم بدعوته للاسلام من السرية للعلنية ، مكث يدعوا سرا ثلاث سنوات أسلم فيها نيفا وأربعين رجلاً وكذا امرأة ، وأسلم حمزة عم النبي صلي الله عليه وسلم ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه

هنا نسأل عدة أسألة
هل المرحلية شيئ خاص بالعصر النبوي ، أم أنها سنن كونية بأن أي أمر لا يتم إلا علي مراحل ، والمرحلية ليست خاصة بالتغيير الدعوي بل كل شيئ يتم علي مراحل

وهذا يجعلنا نطرح سؤال آخر لماذا دعاتنا اليوم لا يدركون أي شيئ عن المراحل الدعوية فلا يعرفون إلا مرحلة واحدة وهي مايفعلونه منذ ثلاثين سنة أو أكثر ومنهم من يمارس دعوته من 70 سنة فأين فقه المراحل والمرحلية من الدعوات الاسلامية والتيار الاسلامي ككل؟
بل إني سمعت في أحد الأعراس الاسلامية أحد الدعاة يفاخر بأن كلامه لم يتغير ولم يتبدل وكأن التغير والتبدل يمس عقيدته وإيمانه ألا يدري هذا الداعية الهمام أي شيئ عن المراحل والمرحلية

متي انتقلت الدعوة الي المرحلة التالية ؟
حين أسلم عمر بن الخطاب وحمزة عم النبي صلي الله عليه وسلم

العجيب أن إسلام حمزة تقدم إسلام عمر رضي الله عنهما بثلاث أيام فقط أي أن الفرق بين المرحلة السرية والجهرية في الدعوة هي ثلاث أو أربع أيام التي تم فيها إسلام حمزة وعمر

ومع أن الحدث الذي انتقلت الدعوة فيه من مرحلة إلي أخري تم في ثلاث أو أربع أيام إلا أن القائد النبي صلي الله عليه وسلم لم ينتقل بالدعوة من مرحلة إلي أخري إلا بعد تمام الحدث، كما أنه لم يتقاعس ولم يتواني ولم يتأخر في الانتقال الي المرحلة التالية فور حدوث الحدث المفصلي في تاريخ الاسلام والدعوة الاسلامية
وهنا يأتي دور القائد العظيم فلا يغرر بشباب الاسلام قبل بلوغ الكتاب أجله ، ولا يتأخر بهم بعد وجود العلامات الدالة علي التقدم للأمام في مراحل الدعوة المباركة

هل يحتاج الاسلام إلي الدعوة السرية الآن ؟

وإذا كان لا يحتاج فما فائدة الحديث عن الدعوة السرية والجهرية ؟

فائدة الحديث هي بيان المراحل التي مرت بها الدعوة وبيان كيف كان القائد صلي الله عليه وسلم يقود سفينة الاسلام ليوصلها إلي بر الأمان بعزم ثابت وقوة جنان وإرادة صلبة لا تعرف السكون أو الاستكانة مستيقظ النفس عالي الهمة منتبه للعلامات التي تظهر في الطريق فهذا هو دور القائد في كل العصور
ونحن في عصرنا هذا أحوج ما نكون إليه

6- قبل البدء خلوة وبشري


6 - قبل البدء خُلوة وبشري

قالت السيدة عائشة رضي الله عنها في معرض كلامها عن بدء الوحي
" أول مابدئ به رسول الله صلي الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يري رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حُبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه – وهو التعبد – الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلي أهله ويزود لذلك ، ثم يرجع إلي خديجة فيتزود لمثلها حتي جاءه الحق وهو في غار حراء ."


هنا نقف وقفة لقد تحدثت في خطوات نحو التغيير مراراً علي أن لكل شخص علي ظهر البسيطة مهمة ، مهمة خاصة به وأنه عليه إستكشافها

هنا في لوحة شرف لا أتكلم عن أفعال أو أقوال خاصة بأصحابها فليست هذه طريقتنا في لوحة الشرف

الخلوة ، والخلوة هي الطريقة الوحيدة التي يحتاج إليها القادة والمجددين حتي يستبين لهم الطريق فيسلكوه وهي جهادهم قبل معرفة الجهاد قال الله " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " وعندما يهدوا السبيل يتوكلوا علي الله ويجاهدوا في سبيله قال الله :" ومالنا لا نتوكل علي الله وقد هدانا سبلنا "

فعلي كل داعية يروم لأمته الشرف والعز والمكانة أن يخلو بنفسه يفكر ويتأمل يدعو ويرجوا يجاهد حتي يعرف السبيل ، هكذا فعل رسولكم صلي الله عليه وسلم

فمن يرجوا في نفسه التجديد والنهضة بالأمة وهو كسلان متراخي يأنس بالناس وينفر من الوحدة فأني له ذلك

الخلوة والتعبد هما طريقك حتي يبان لك طريقك إلي الجنة وأي باب منها تدخل

وقبل أن أغادر تلك النقطة أحب أن ألفت النظر إلي أن للمهمة مبشرات وعلامات بها تتعرف علي مهمتك في هذه الحياة ونأخذ ذلك من قول السيدة عائشة رضي الله عنها أول ما بُديئ به صلي الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة في النوم ،

5- مفرق طرق 2


5- مفرق طرق 2


كان البطل طويلا أو قصيرا اسمه فلان أو علان ينتمي لقبيلة كذا أو كذا لون شعره كذا أوكذا كان يشرب كذا أو يلبس كذا

بالله عليكم حدثوني ماذا كان يفعل لنفعل مثله

باستثناء الرسول صلي الله عليه وسلم والرسول فقط في وصف كل كبيرة وصغيرة من وصفه وحياته
وعدا ذلك علينا من تاريخ أفذاذنا وعلماءنا ومجددينا بأفعالهم التي لنا ، بل علينا أن نقتدي بهم فيها فهذا هو سبيل المجد والبطولة ، وتلك هي خطتنا وطريقتنا هنا في لوحة الشرف نصف أفعال المجد ليقتدي بها ولا نذكر الأوصاف التي لاسبيل إلي محاكتها بأي حال من الأحوال

وأقول مسترسلا أن أفعال النبي صلي الله عليه وسلم تنقسم إلي 5 أقسام وهي:
1- أفعال بمقتضي الجبلة ( كالأكل والشرب)
2- أفعال بمقتضي العادة ( كصفة اللباس)
3- ما فعله علي وجه الخصوص ( كالوصال في الصيام ونكاح الهبة )
4- ما فعله تعبداً
5- ما فعله بيانا لمجمل

أرأيت كيف تقسم أفعال النبي صلي الله عليه وسلم ، فحمل الناس علي أفعال النبي صلي الله عليه وسلم كلها وجعل هذا هو الدين غلط فاحش
فارتداء القميص وحمل الناس علي إرتداءه تعبداً أيضا خطأ إذ اللبس من جملة العادات ولقد لبس النبي حلة يمانية وهي حلة ضيقة علي خلاف لبس قومه ، لننتبه أن اللبس من العادات ، يخصص ذلك بما خصه النص من تحريم للحرير للرجال وإسبال وغيره مما نصت عليه النصوص الصحيحة وما عدا ذلك فمباح

ومنها أيضا لبس الساعة في اليد اليمني ، وحمل الناس علي ذلك ولو ندباً أيضاً غلط
فلقد كان يلبس صلي الله عليه وسلم خاتم هل كان يلبسه في يده اليمني الإجابة لا بل كان يلبسه في يده اليسري ألا تقاس الساعة علي الخاتم ، هذا أولي من الأخذ بالعمومات "تيمنوا" والأخذ بالعمومات دون الفقه فيها ميزة العقول الضعيفة وأذكر حادثة لأحد الدعاة المشهورين جداً حضرت إشهار عقد نكاح لأخ لنا في المسجد وأخذ المقدم للحفل الميكرفون ( المايك) بيده اليسري وأخذ يتحدث ، فنهره الداعية وقال له بأيدك اليمين ففزع أخانا وانتبه وناول اليد اليمني المايك ، ولي أن أسأل هل آخذ المايك باليمني وأقلب أوراق المحاضرة باليسري ، أم آخذ المايك باليسري وأقلب أوراقي باليمني ؟

فقياس الساعة علي الخاتم من قياس ابن عثيمين رحمه الله وهذا يبين لك لما أنا معجب بالرجل فلديه فقه عميق

ولنا في موضوع الساعة أن اليمين من عادتها كثرة الحركة والكتابة وغيرها فلبس الساعة فيها يثقل حركتها ويعرض الساعة للخدش وللكسر لذا فلبسها في الشمال أولي والله أعلم
أسترسلت لأن هذا منهج فهم وليست مجرد أمثلة عابرة

4- مفرق طرق


4- مفرق طرق :

لقد كُتب التاريخ وكُتبت السير ، واليوم نحن في مفرق طرق
نعم مفرق طرق أي السير نبعث للوجود وللحياة وكيف نبعثها للوجود وللحياة ،
فمن الأخطاء التي سارت في الطريق كعلامة منذ زمن بعيد هي طريقة تناولنا للتاريخ وللسيرة
فمن كتب التاريخ وكتب السير له من الأسباب ماله فيما كتب وكيف كتب ، ولنا وحدنا الخيار ماذا نختار من تاريخنا لنبعثه شاهداً حياً لنعيد لأمتنا سابق مجدها بل أشد
والخطأ الذي سار عليه أسلافنا هي تناول التراجم والسير والتاريخ تناولاً أرشيفياً يروون كل ما قيل ولا يجدون غضاضة في سرد حكايات وكتابتها لو مررنها علي كل القواعد ما صحت وما صلحت ، ولكنهم كانوا غير عابئين بذلك ، بل كان لهم من الثقة ما يجعلهم يدونون ذلك

واليوم لا يصح ولا يصلح أن نروي السير والتاريخ كما كتبوا ، بل علينا أن نحقق ونمحص ونختار من تاريخنا مايعيننا علي النهضة والتقدم والرقي

كلامي هنا ليس خاصاً بالسيرة النبوية العطرة بل بسير كل السابقين من صحابة وعلماء ومجاهدين ومجددين

أذكر من أكثر من 10 سنوات أحضرت كتاب عبقرية خالد بن الوليد للعقاد بعدما درست عبقرية عمر في المرحلة الثانوية فأعجبتني ، فراعني ما فعله العقاد وهو يبدأ في نسج قصة خالد علي نفس المنوال
نعم ينسج العقاد علي منوال أن خالد وعمر و... إنما هم أبطال نسبا وأصلا طبيعة وعرقا و...
نعم يأتي بأفعالهم الحميدة المجيدة ولكن بعدما يترك النفس في وساوسها بأنهم خُلقوا أبطالاً لم يُصنعوا
والحقيقة التي لاريب فيها أن البطولة تصنع صنعا ولا مجال فيها لمجد الأباء والاجداد
حتي من ولد لأب له من المفاخر والبطولة ماله لا يكتفي بذلك حتي يربي ابنه علي الصعاب، يرميه في الوديان تربيه الأسود والوحوش الكاسرة ، وتشد من عزمه الشدائد

وهذا ما حدا حسين مؤنس يصف حالنا بقوله "قافلة خرجت تقصد الغد فضاعت في رمال الماضي " في كتابه دستور أمة الاسلام وهو كتاب رائع سنقف معه في أروع ما قرأت إن شاء الله وله أيضاً كتاب آخر رائع اسمه تنقية أصول التاريخ الإسلامي ، وحسين مؤنس وإن كان شديد اللهجة علي بعض المؤرخين الكبار القدامي فنلتمس له عذر ونلتمس للقدامي من علماءنا ومؤرخينا عذر ولا نلتمس أي عذر لمن ينقل الآن من كتب التاريخ بلا فهم ولافقه من دعاة اليوم أو علماءنا

فهؤلاء الذي قال فيهم حسين مؤنس قافلة خرجت تقصد الغد فضاعت في رمال الماضي

3- اللمحة الثالثة


3- اللمحة الثالثة

لا يكفي لسلوك الطريق موقف واحد تأخذه وتنجح وتأخذ النياشين ، بل علي الطريق مصاعب وإختبارات ، فبعد أن أختبرت هاجر بتركها مع رضيعها في الصحراء الجرداء لا زرع بها ولا ماء ، وكان إختباراً لإبراهيم عليه السلام إذ عندما رُزق بالولد أُمر بتركه وأمه في الصحراء

تمر الايام حتي إذا ما شب الغلام وبلغ السعي هنا الاختبار الثلاثي ، إختبار الولاء والحب والطاعة والانقياد للثلاثة الذين تبني علي أكتافهم خلاص البشرية وسعادته في الدارين

إختبار لإبراهيم ، وإختبار لهاجر ، وإختبار لإسماعيل

جاء الأمر الألهي بذبح الغلام

لقد سمعت قول هاجر سابقاً عن الله أنه لا يضيعنا
وكان إبراهيم عليه السلام من قبل قال " لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين " ، والتوكل علي الله في الهداية من أشد أنواع التوكل فهو الخليل عليه السلام

والآن جاء دور إسماعيل عليه السلام لنسمع كلمته
ماذا قال إسماعيل عليه السلام ؟
قال : " إفعل ما ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين "

هذا هو رد إسماعيل ستجدني إن شاء الله من الصابرين
ذرية بعضها من بعض
هؤلاء هم أجداد النبي صلي الله عليه وسلم وأصوله

فمن يريد الصلاح والفلاح لأولاده وذريته فلينظر ماذا أختار لهم من أم تورثهم إيمانها وتربيهم عليه
ولينظر لنفسه هو كيف يورثهم صفاته ويربيهم عليها

أن تترك نفسك سداح مداح وتتزوج من تشاء ثم ترغب في نجابة وصلاح الذرية هذا محل إستفهام وعلامة تعجب !!!!!!!!

فنجابة الذرية وصلاحها يبدأ منك ومن زوجتك ، فانظر لبذرك ماذا تضع وأنظر لأرضك أين تضع وبعد هذا عليك برعاية زرعك وموالاته حتي ينضج ويطيب

عندها وعندها فقط تكون أديت في الدنيا مهمتك ولك أن ترقد بسلام فلقد أوجدت خليفة لله في الارض

ذرية بعضها من بعض

2- اللمحة الثانية


2- اللمحة الثانية:

كنت أحتار لماذا لمصر ذلك الدور الريادي للعرب قاطبة وللاسلام ، حتي أنتبهت علي ذلك السر الخطير فالعرب جدتهم مصرية ، فمصر تاريخيا أم العرب أم إسماعيل
فمصر للعرب وللاسلام بمنزلة الأم حقيقة ومجازاً إن قلنا أنه يوجد مجاز

وهذه اللمحة مهمة جداً فعلي كل أم مصرية عليك أن تستفيقي من ثباتك العميق وأن تنتبهي وأن تخرجي لنا الطفل الذي نرجوه
الطفل الذي يسير علي درب الأنبياء والصالحين

وفي هذه اللمحة أوجه ندائي لكل العالم عليكم بمصر أعيونها كي تخرج لكم ما ترجون

وفي هذه اللمحة أوجه النداء لكل العالمين صلاح العالم يبدأ من هنا من مصر فمن أراد الخير للأرض فليصلح في مصر
يكفيني هنا هذا النداء وإلا فلهذا النداء أدلة وشواهد وبحوث وأراء كلها تدعم ما أقوله من أن مصر بوابة التغيير والولوج لعودة نهضتنا وحضارتنا وريادتنا وعزتنا وكرامتنا

1- لمحات خاطفة


1-
لمحات خاطفة

أين مبعث النبي محمد صلي الله عليه وسلم ؟
وأين ولد وأين أقام ؟
ومن أين يخرج نور يضيئ الأرض إلي آخر الزمان؟
أين تحدث أحداث آخر رسالات السماء إلي أهل الأرض ؟
كل تلك الأسئلة لها إجاببة واحدة ، وهي مكة المكرمة
ولكن ماقصة مكة ؟
لمحات خاطفة
لن أتحدث عن الموقع بل أتحدث عن الاحداث والافعال التي نبني عليها أفعالنا ونستمد منها تصوراتنا فنعرف أصولنا ونتحقق من .... دعونا نبدأ

كان إبراهيم عليه السلام لا ينجب وعند عودته من مصر أًهدي إلي سارة زوجته جارية من مصر إسمها هاجر
فمن هي هاجر
هاجر تسري بها إبراهيم عليه السلام فولدت له إسماعيل عليه السلام
ومن إسماعيل
إسماعيل أبو العرب جد النبي محمد صلي الله عليه وسلم
هل خلصت اللمحات الخاطفة لا
هتبدأ حالا

هاجر مصرية
قبل أن أتحدث عن الأم المصرية هاجر

أريد أن أذكركم فقط بما فعلت
خرج بها زوجها وتركها مع رضيعها في صحراء قاحلة لا زرع بها ولا ماء
ماذا قالت ؟
آلله أمرك بهذا يا إبراهيم ؟ فأجابها قائلاً : نعم . فردت عليه وهي قريرة العين إذاً فاذهب فإن الله لا يضيعينا ،وذهب إبراهيم عائداً إلي أرض الشام .

آلله أمرك ... فإن الله لا يضيعنا
تلك ياسادة السيدة هاجر المصرية جدة العرب أم إسماعيل ،
لا تأبه ولا تبالي بالصحراء وما فيها من جوع أو عطش ، أو حيوانات وزواحف خطرة مهلكة ، لا تخشي الوحدة ، لا تخشي أي شيئ
وما سبب تلك القوة الرهيبة التي تحلت بها السيدة هاجر المصرية
أتدرون إنها قوة مستمدة من النبع الصافي لكل قوة علي وجه الأرض ، مستمدة من المصدر الوحيد للقوة في هذا الكون
إنها مستمدة من إيمان بالله و توكل عليه
تلك أول لمحاتنا الخاطفة

لو عقدنا مقارنات بين عصر السيدة هاجر المصرية في تلك البقعة النائية البعيدة عن كل أنيس وجليس ، القاحلة وبين عصرنا نحن ، نعم عصرنا نحن ياسادة ياكرام
كم في مكة من أموال وخيرات وكم فيها من أنس لكل وحشة
إن مكة اليوم تحوم حولها قلوب أكثر من مليار مسلم
بالأمس لم يكن هناك سوي إمرأة مصرية وطفلها الصغير
فكل ما تحتاجه الدعوة ، والدولة ، والأمة ،
طفل مع أم تربيه
انتبهوا فبعد مرور السنين والاعوام سيتكرر هذا المشهد مع الحبيب صلي الله عليه وسلم
طفل في مكة ومربي يربيه ، ولكن حبيبنا صلي الله عليه وسلم رباه وأدبه فأحسن تأديبه بأبي هو وأمي صلي الله عليه وسلم

البداية طفل وأم
ولكنه ليس طفل مثلي ومثلك وليست تلك الأم كأمي وأمك !!
ولكن لما لا ؟؟؟؟

لأنهم كانوا أنبياء ، فالنبوة أمر وهبي وليس كسبي ، النبوة إختياراً وليس إختباراً
النبوة إصطفاء من الله عز وجل للمخلصين من عباده
ولكننا بموت الحبيب صلي الله عليه لم يعد هناك أنبياء ، ولم يبق إلا الاختبار والكسب
فلما لا ، نعم لماذا لا تكون أنت أنت هذا الغلام فالامر لا يحتاج إلا إلي رجل يعرف يتوكل علي الله ويأخذ بالعزم ولا ينفك حتي يتم له الأمر أو يموت علي الطريق

فلقد مات علي هذا الطريق أنبياء كُثر بل وصالحين ومجاهدين وشهداء وصديقين
والطريق بحاجة إليك إما لكي تتمه أو تضع عليه من دمك علامات
، علامات تهدي الحائرين إليه تقول لهم ها هنا سار الصالحون وهاهنا رقد الانبياء والقديسين والشهداء

فالطريق بحاجة إليك
نعم أنت فلم يبقي أنبياء ، فلكل نفس منفوسة دور وعليها واجبات لنصرة الله وتبليغ راسلات الانبياء إلي البشر كافة

فالطريق بحاجة إليك
نعم أنت وأنت أيضاً بحاجة للطريق ، فإن لم تسلك سبيل الرسل فأي طريق تسلك وفي أي درب تسير

تلك ياسادة أول لمحات
كان الأمر بطفل وأم تربي


محمد صلي الله عليه وسلم


محمد صلي الله عليه وسلم

لم أحتر ولم أتردد ولم أفكر فيمن أضعه علي رأس لوحة الشرف ، ولكنني ترددت واحترت وفكرت كثيرا كيف أكتب عنه فرأس لوحة الشرف لدينا ليس شخصاً عادياً تميز بين البشر فأجاد وأفاد بل رجل لديه من النياشين والأوسمة والمفاخر والبطولات والخصال والمواقف والمقامات
و ...
فهو خاتم النبيين
وسيد ولد آدم أجمعين
صاحب الحوض
وصاحب الشفاعة
ترقي في السماء حتي وصل إلي مواطئ لم تصلها أقدام بشر ولا ملائكة
من نضعه علي رأس لوحة الشرف هو النبي محمد صلي الله عليه وسلم
حق للقلم أن يقف ويحتار
وحار للعقل أن يتردد فيما يختار من الكلمات والاوصاف التي نصف بها النبي محمد صلي الله عليه وسلم
شيئ آخر كان يزيد في ترددي ، ألا وهو بعد 14 قرن من الزمان هل بقي لواصف وصف ، هل مازالت توجد كلمات نستطيع أن نصف بها رسول الله صلي الله عليه وسلم

وأنا في ترددي وحيرتي بين الإقدام علي الخوض في بحار المصطفي صلي الله عليه وسلم وبين الإحجام عن ذلك هجمت علي رياح من المشجعات تحدوني للإقدام منها أن أغلب تصانيف السلف رحمهم الله كانت تصانيف سرد أي جمع أخبار ما قيل في المصطفي صلي الله عليه وسلم وما صح عنه من أخبار
يلي تلك المرحلة مرحلة التنقيح وبيان الصحيح من الضعيف ، ثم مرحلة ثالثة وهي مرحلة التحليل والاستنباط
وهذه المرحلة مازلنا فيها نحبو لم نقطع أشواطاً تليق بعظمة المصطفي صلي الله عليه وسلم ولا بعظمة الاسلام نفسه وهذا حال كثير من كتب التاريخ والسير تحتاج إلي إعمال النقد والتمحيص والاستنباط والتعليل والاسترشاد والاستدلال وهكذا ...

فكثير من الحوارات التي تدور حتي علي ألسنة طلبة العلم والدعاة تدور حول أحاديث صحيحة ولكن استدلالات خاطئة وأقل ما يقال فيها خلاف الأولي

كما أن التيار الاسلامي اليوم من الشرق الي الغرب لا يعطي صورة صحيحة صريحة واضحة تمثل الرسول صلي الله عليه وسلم كرسول وقائد وقدوة ، كزوج وأب وصاحب وصديق ، كمجاهد ومعلم ومربي
أغلب الكلام يدور حول معني أو اثنين من هذه المعاني الكثيرة والباقي يختزل إختزال مقيت ، ناهيك عن التمسك بعمومات وتعميمات من كلامه صلي الله عليه وسلم في حين أن بيان حاله نفسه صلي الله عليه وسلم كان التخصيص من جملة هذا التعميم

عند ذلك عقدت العزم علي أن أبحر بقاربي الصغير في بحار المصطفي صلي الله عليه وسلم ولكني إحتجت إلي خريطة ترشدني إلي مواطن النظر والتأمل ولا تحملني كلفة البحث عن التصحيح والتضعيف
إحتجت إلي دليل يقودني في بحار المصطفي صلي الله عليه وسلم حتي لا أتوه أو تتوه مني المعاني أو الاحداث التي يجب أن نقف عندها ونطيل النظر والتأمل

وهذا موطن آخر من مواطن التردد والحيرة قطع علي حيرتي وترددي كتاب الشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله هذا هو الحبيب صلي الله عليه وسلم يامحب
عندها أنزلت الكتاب من مكانه في المكتبه وأخذت أقلب فيه بسرعة حتي رأيت أنه خير مرشد لتلك الرحلة المباركة
فعلي الله نتوكل وبه نستعين منه التوفيق
ومن هنا نبدأ الإبحار في بحار المصطفي صلي الله عليه وسلم